الصّراع بين الغلاءِ والرّجاء: قراءةٌ إنسانيّةٌ بنظرة محايدةٍ

Meta Title

الصراع بين الغلاء والرجاء - معركة وجودية في اقتصاد لا يرحم | مواطن رقم صفر


Meta Descrip

عندما يكون الصّراع بين الغلاء والرجاء معركةً وجوديةً في اقتصادٍ لا يرحم - الحلقة الأضعف في دوّامة التحدي - أزماتٌ متتاليةٌ وحلولٌ متواضعة - أدوات التأثير وامتيازات القرار - اكتشف المزيد الآن!


الصراع بين الغلاء والرجاء معركة وجودية في اقتصاد لا يرحم 

يقف المواطن العربي البسيط تائهاً في عالمٍ تتضخَّم فيه الأسعار بشكلٍ يومي، وتتبدَّل فيه الأولويَّات بوتيرةٍ غير مسبوقةٍ، فما كان رفاهيَّةً منذ سنواتٍ؛ أصبح اليوم من أساسيَّات الحياة، ليجد نفسه أمام مُتراجحةٍ قاسيةٍ: أبسط احتياجاته اليوميَّة أعلى بكثيرٍ من سقف دخله الشَّهري، وهنا تبدأ آثار العجز المالي بالظُّهور شهراً بعد شهر، وتتراكم معها الالتزامات، فتتحوَّل هذه الجزئيَّة إلى مواجهةٍ علنيَّةٍ بين الرَّغبة في الحياة الكريمة، والقدرة على تحمُّل تكاليفها. لم تعد المشكلة اليوم في الكماليَّات كما كانت سابقاً، ولا في قدرة الطَّبقة المتوسِّطة على الإنفاق الإيجابي، فهذه الطَّبقة قد تراجعت فعلاً إلى الخلف، وحلَّت مكان الطَّبقة الفقيرة، والأخيرة احتلَّت درجةً متأخِّرةً في سلم المغمورين، أمّا الطَّبقة الغنيَّة تقدَّمت درجاتٍ نحو الأمام، ليبقَ المقعد الأوسط شاغراً، قد تحتلُّه بين فترةٍ وأخرى  فئةٌ من الأغنياء الذين تتراجع مراكزهم الماليَّة نتيجةً لبعض الخسائر ريثما يستعيدون موقعهم من جديد، بينما في الدَّرك الأسفل تجد فئةً كبيرةً من الجائعين، وهي الحلقة الأضعف في هذا الصِّراع، تُنَازِعُ من أجل البقاء في زمنٍ أصبحت في الحياة تحدياً، لتؤمِّن جزءاً يسيراً من الأساسيَّات كالغذاء والدَّواء والإيجار، وتتخلَّى عن المُتطلَّبات الأقلِّ أولويَّةً بالنِّسبة لها مثل "التَّعليم"، ليتفشَّ الجهل بين أفرادها، وتتحوَّل من فئةٍ مُنتِجةٍ يعتمد عليها اقتصاد البلدان النَّامية، إلى عبءٍ يزيد من مأساةِ المجتمعات الطَّامحة بالنُّمو.

اقتصادٌ قاسٍ وبصيصُ أملٍ لا يُرى 

تزداد التحدِّيات يوماً بعد يومٍ، وتضع المواطن البسيط أمامَ اختبارٍ صعبٍ يستنزف جيوبه، ويمتحن صبره! في كلِّ بيتٍ حكايةٌ، ومع كلِّ راتبٍ ينشب سباقٌ تفاضُليٌّ بين بندٍ وآخر، وفي النِّهاية ستُدفع الفاتورة؛ إمِّا من الرَّاحة النَّفسيَّة، أو من الاستقرار المالي! في هذا الزَّمن الذي تتغيَّر فيه الموازين كلَّ لحظةٍ، وتسلك فيه الأسعار طريقاً واحداً نحو الأعلى، يقف الإنسان مذهولاً أمام حاجاته التي تتزايد، ودخلِه الذي يأبي أن يكبُر، إنِّها بيئةٌ اقتصاديَّةٌ ظالمةٌ لا تعرف العطف، ولاتمنحُ فُرَصاً متكافأةً، بل تُلقي بظِلالها الثَّقيلة على التَّفاصيل اليوميَّة، حتَّى أصبحت الحياة، وعدمها أمراً واحداً لدى البعض. الأسواق تتأرجح، والعملة تفقد قيمتها شيئاً فشيئاً، والثَّابت الوحيد في هذه المعادلة هو الرَّاتب؛ الذي يبدو ثَباته وهميَّاً، إذا ما قيس بسعر صرف الدولار، أسوة بأسعار السِّلع والخدمات التي تُسعَّر حصراً بالعملة الأجنبيَّة، ويجد الموظَّف صعوبةً دائمةً في ردم الفجوة ما بين الأسعار المُتنامية، والدَّخل المتناقص. لكن في زوايا هذا المشهد ثمَّة بصيصُ أملٍ خافتٍ، وإن كان لا يرى بسهولةٍ، أملٌ في وعيٍ بدأ يتشكَّل، وفي أجيالٍ باتت تفهم أن الحلول لا تأتي من السِّياسات وحدها، بل من المبادرة والعمل والإبداع، لأن المجتمعات التي تتعلَّم إدارة مواردها، وتستثمر في عقول مبدعيها، قادرةٌ على كسر الدَّائرة القاسية للاقتصاد الجاف، وستنتقل من مرحلة الوعود الفارغة، إلى إعطاء الفرص الحقيقيَّة، فالأمل وإنْ توارى خلف الغيوم، لا يغيب تماماً.


مفاتيح السَّيطرة وأدوات الحسم

يحتاج تغيير الواقع نحو الأفضل إلى بناء جسر عبورٍ، يصل الماضي بالمستقبل حاملاً معه أدواتٍ عبقريَّةً في ابتكار الحلول، وصنع التَّغيير الإيجابي الذي يتمنَّاه الجميع، فامتلاكُ آليَّاتِ تأثيرٍ فعَّالةٍ لدى غُرف السَّيطرة، ومراكز صُنْعِ القرار هو الحلُّ الأنجع لدفع النُّموِّ الاقتصادي، خاصَّةً إذا تمَّ استغلال النُّفوذ والصَّلاحيّات، وتوجيهها في إعادة البناء، وتعزيز التَّنمية، لذا فإنَّ وضع المسؤول المناسب في المكان المناسب هو اللَّبِنَةُ الأولى في هيكل التّعافي، ثمَّ يأتي الدور على اختيار الخبرات والكفاءات الطَّموحة، المؤمنة ببناءِ اقتصادٍ يخدم الجميع، دون أن تنسب النَّجاح لنفسها، أو تحتفظ بالمُكتسبات لها دون الغير، بل تتشارك الفُرَص مع الآخرين، وتُهيِّئُ بيئةً تنافسيَّةً عادلةً تسمح لصغار التُّجَار، والشَّركات النَّاشئة بالمشاركة في عمليَّة التَّطوير والبناء، وتساعدها على التَّكيُّف مع المُتغيِّرات الاقتصاديَّة بمرونةٍ دون أن تشعر بالحرمان أو الإقصاء. في النِّهاية: إنَّ خَلْقَ نوعٍ من التَّفاهمِ بين مراكز السُّلطة، وأدوات التَّنفيذ ليس وهماً فكريَّاً، بل هو ضرورةٌ مُلحَّةٌ لكلِّ من يريد أن يُشارك في تحسين واقعه، ومحيطه بدءاً من الدَّائرة الواسعة في المستويات العليا التي تمتلك الأدوات والسِّياسات الحقيقية للتَّغيير، إلى الدَّائرة الأضيق من التُّجَار والصِّناعيين المشرفين على الإنتاج والتَّوظيف، وصولاً إلى المُوظَّف نفسه! ليس باعتباره الحلقة الأضعف، أو المُتلقِّي للتَّوجيهات، والمتأثِّر بالقرارات، بل بوصفه النَّواة الأساسيَّة لعمليَّة التَّنمية، من خلال وعيه ومُشاركته الفاعلة في استخدام الموارد، واستغلال طاقاته وتحويلها إلى نقاط قوَّةٍ، ونتائجَ ملموسةٍ على أرض الواقع.


المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهجرة غير الشرعية

عندما تصبح الحياة تحدّياً