الكهرباء ما بين التكلفة والعبء

Meta Title

الكهرباء ما بين التّكلفة والعبء معادلةٌ مستحيلة الحل | مواطن رقم صفر


Meta Descrip

تعرّفوا عن قرب على واقع الكهرباء ما بين التّكلفة والعبء √ الطّاقة عصب الحياة المعاصرة √ نقلةٌ نوعيّةٌ من الظّلام إلى النّور √ عدالة التّسعير والحلول المطروحة √ اكتشفوا المزيد في هذا المقال!


الكهرباء ما بين التَّكلفة والعبء توازنٌ فقد توازنه

يعيش العالم مع انتهاء الرُّبع الأوَّل من القرن الواحد والعشرين نهضةً غير مسبوقةٍ وصَلَتْ إلى حدٍّ فاق كلَّ التَّوقُّعات، حيث تتنامى التكنولوجيا يوماً بعد يومٍ، ويحتلُّ فيها الذَّكاء الاصطناعيُّ العنوانَ الأبرز! معظم الدُّول المُتقدِّمة تمكَّنت من توظيف العلم والمعرفة في خدمة الإنسان، فابتكرت الآلات الذكيَّة، وطوَّرت أنظمةً تعمل بالعقل الرقمي، لتُغيِّر بها ملامحَ الحياة في مختلف المجالات من الطبِّ والتَّعليم، إلى الاقتصاد والصِّناعة والطَّاقة، بينما نحن ما زلنا نعيش على ضوء الشُّموع المُستوردة منذ خمسةَ عشر عاماً، ننتظر التَّغذية الكهربائيَّة، كَمَنْ ينتظر الفجر بعد ليلٍ طويلٍ! هذا الفارق المؤلم ليس إلا نتيجةً لسياساتٍ فاشلةٍ تراكمت عبر سنواتٍ من الخداع والنِّفاق الاقتصادي القائم على أكذوبة "السِّعر المدعوم"، لنحصل في نهاية اليوم على ساعةٍ واحدةٍ من التيَّار الكهربائيِّ سيء الجودة، منخفض التَّردُّد، كثير التَّذَبْذُب، ومقسَّمةٍ على فتراتٍ، دون إدراكنا أنَّ ما كُنَّا نَظنُّه وِفْراً ليس إلا خسارةً مؤجَّلةٌ تُدفعُ من جيوبنا أضعافاً مضاعفةً؛ إمّا لصيانةِ أدواتنا الكهربائيّة المتهالكة التي لم تصمد أمام رداءة التيَّار وسوءِ الخِدمة، أو كمبالغَ طائلةٍ أنفقناها على بدائلَ مُكلفةٍ من مولِّداتٍ تستهلك الوقود، وتُلوِّث الهواء، وبطَّاريَّاتٍ وألواحٍ شمسيَّةٍ أُجْبِرْنا علی شرائها، لكي نحصل على أبسط مقوِّمات العيش. في علم الاقتصاد لا توجد قواعدُ شاذَّةٌ، أو استثناءاتٌ تُبرِّر العبث بالمبدأ الأساسيِّ: "أيُّ سلعةٍ أو خدمةٍ مهما كانت ضروريَّةً لا يجب أنْ تُباعَ بأقلِّ من التَّكلفة الحقيقيَّة"، وهذا ما ينطبق على الكهرباء باعتبارها من أهمِّ الخدمات الحيويَّة، فالاستمرار بتقديمها بسعرٍ مُتدنٍّ؛ ستنجم عنه خسائرُ كارثيَّةٌ تُهدِّدُ ديمومتها، بينما تسعيرها بشكلٍ منطقيٍّ يُغطِّي التَّكاليف الفعليَّة للإنتاج والتَّوزيع، سيُتيح للمُزوِّدين الإستثمار في الجودة، وتحسين الشَّبكات، ورفع كفاءة المحطَّات بشكلٍ يُعيد التَّوازن ما بين حاجة المُسْتهْلك، واستدامة الخدمة. 


الطَّاقة قوَّةٌ حيويَّةٌ تُنعش الاقتصاد المُتهالك

تُعتبر مصادر الطَّاقة العمودَ الفقريَّ لكلِّ اقتصادٍ حديثٍ، فهي تدخل بشكلٍ مُباشَرٍ في احتساب الموازنة العامَّة للدَّولة، من خلال تأثيرها على تكاليف الإنتاج، وأسعار الخدمات الأساسيَّة، فضلاً عن كونها أحد أهمِّ مصادر الإيرادات عبر الرُّسوم والضَّرائب، وبيع الفائض في الأسواق الخارجيَّة، ممَّا يُقلِّل من النَّفقات الحكوميّة، ويدفع بعجلةِ التَّنمية نحو الأمام، لذا فإنَّ قوَّة أيّ دولةٍ اليوم لا تُقاس بجيوشها وأسلحتها فقط، بل باقتصادها، وقدرتها على إدارة مواردها، وتحويلها إلى دخلٍ يمكن الاعتماد عليه، وباعتبار الكهرباء إحدى المصادر الحيويَّة للطَّاقة، ونظراً لكونها خدمةً مُنْتَجَةً، وليست ثَرْوَةً مُسْتخْرجةً، لا بُدَّ من تحويل هذا القطَّاع من مشروعٍ خاسرٍ يستهلك المال العام، إلى موردٍ أساسيٍّ يدعمُ النُّموَّ، ويُحيي الاقتصاد، حتّى لو تسبَّبَ هذا الأمر في مواجهةٍ صريحةٍ بين الغلاء والرّجاء. بالنِّسبة لبلد مُتضرِّرٍ مثل سوريا، عانى عبر السَّنوات الماضية من حربٍ طاحنةٍ دمَّرت كلَّ مقوِّمات الحياةِ الطَّبيعيَّة، مُدُنٌ بالكامل مُسِحَت عن الخريطة، وتحوَّلت فيها الشوارع إلى مُجمَّعاتٍ للرُّكام والأنقاض لا روحَ فيها، ولا صوتَ، ولا ضجيج، فقط ذكرياتٌ مدفونةٌ في أماكنَ كانت تُمثِّل ثقافةً وإرثاً لشعبٍ أبيٍّ عريقٍ! الدَّمار لم يقتصر على المُمْتلكات فحسب، بل طال المُجْتَمَعَ نفسه! الملايين من السُّوريين ما زالوا يعيشون في مخيَّماتٍ مؤقَّتةٍ، أو في بيوتٍ نِصْفِ مُهدَّمةٍ قدْ تسقط مع أوَّل عاصفةٍ، وهذا ما يجعل من مُهمِّةِ إعادة الإعمار أولويَّةً قبل كلِّ الأولويَّات! لذا فإنَّ وجود منظومةِ كهرباءٍ مُستقرَّةٍ يُعدُّ معياراً هامَّاً لجذب الاستثمارات الخارجيَّةِ، فالمستثمرون لا يُخاطِرون برؤوس أموالهم، ولا يدخلون سوقاً يُعاني من ضعفٍ في البنية التَّحتيَّة، أو نقصٍ في الخدمات الحيويَّة، وهنا تصبح الكهرباء قراراً إنسانيَّاً استراتيجيَّاً يُعيد الثِّقة إلى بيئة الاستثمار،  ويمكِّن المُواطن المُهجَّر من العودة لحياته الاعتياديَّة بعد سنواتٍ من القهر والتَّشرُّد.


التحوُّل من التَّعتيم إلى الإشراق تكلفةٌ باهظةٌ وحلولٌ مُتوقَّعةٌ

عانت سوريا لأكثر من ثلاثةَ عشرَ عاماً من ظروف تقنينٍ قاسيةٍ وصلت إلى مرحلة التَّعتيم الكامل، حيث بَدَا الظَّلام واضحاً على كامل الرُّقعة الجغرافيَّة، ويكفي فقط النَّظرُ إلى صُورِ الأقمار الصِّناعيَّة المُلتقطة من محطَّة الفضاء الدُّوليَّة، ليتمكَّن المُراقب من تحديد موقع البلد على الخريطة بمُجرَّد رؤيةِ السَّواد الذي يكتنفها! هذا الواقع لم يترك أثره على المنازل وَحْدَها، بل امتدَّ إلى المصانع والشَّركات والمراكز الحيويَّة، وتسبَّبَ في تأخير الإنتاج، وزيادة التَّكاليف التَّشغيليّة، وعلى مستوى الأفراد، اضْطُرَّ المواطن إلى التَّكيُّف غير المرن مع أوقاتٍ محْدودةٍ من التيَّار الكهربائيِّ لا تتجاوز السّاعتين في أفضل الأحوال، ممّا جعل الحياة اليوميَّةً مُجْهِدةً ومملَّةٍ بدرجةٍ كبيرةٍ. أمّا اليوم، فنعيشُ مرحلةً جديدةً تختلف عمَّا سبق، فأُولى مراحل التَّعافي نلتمسها الآن مع تحسُّنٍ كبيرٍ في ساعات التَّغذية الكهربائيَّة، وتراجعِ الانقطاعات بشكلٍ ملحوظٍ، وإنْ كان هذا التَّحسُّنُ مصحوباً بارتفاعٍ جنونيٍّ في فواتير الكهرباء، وقد يكون ثقيلاً على المواطن في البداية! لكنَّهُ يحمل بُعْدَاً إيجابيَّاً معنويَّاً، يُنمِّي لدى المستهلكين ثقافة التَّرشيد الصَّحيح؛ فعندما يدرك المواطن أنَّ كلَّ كيلو واطٍ ساعيٍّ يستهلِكُه له ثمنٌ حقيقيٌّ، يزداد لديه الوعي، ويصبح أكثر حِرْصاً على استخدام الطَّاقة بشكلٍ حكيمٍ، وهذا يعني التَّقليل من الهدر غير المُبرَّرْ، وزيادةً في الوِفْر، وبالتَّالي يمكن استغلالها وتوجيهها نحوَ أوْجُهٍ أخرى من الدَّعم ستُخصَّصُ حتماً لصالح الطَّبقةِ الأكثرِ ضَعْفاً، لتَتَكاملَ في النِّهاية مع الخطوة الاستباقيَّة التي قامت بها الحكومة مشكورةً برفع الرَّواتب 200% في مرحلةٍ سابقةٍ، والتي كانت المبادرة الحقيقيَّة الأولى في ردم الفجوات الكبيرة ما بين الغلاء المتزايد ومحدوديَّة الدَّخل.






المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الهجرة غير الشرعية

عندما تصبح الحياة تحدّياً

الصّراع بين الغلاءِ والرّجاء: قراءةٌ إنسانيّةٌ بنظرة محايدةٍ